عُد




بقلم سيلينا سامح

مصطلح الفراق عند البشر هو رحيل الشخص عن الاخر ولكن بعد تفكير اتضح انه رحيل الجسد فقط لا الروح ، لا سلطه للشخص علي روحه بل فقط علي جسده فالروح تتعلق للأبد بمكن يسكن قلب صاحبها ، بمن يتنفس رائحته المختلطة مع الهواء ، بمن تتزايد نبضات القلب برؤيته و كأن مهرجاناً كبيرًا قد اقيم بالداخل ، بمن استطاعت كلماته تذويب قساوه القلب . الا يستحق ان تُسحر الروح به و بتفاصيله؟


      اسمي "أشرقت" اسماني جدي بهذا الاسم عند ولادتي، اخبرتني امي انني كنت كشمسٍ  أشرق نورها ليجلب معه خيرًا و فرحًا لمن يراه فكانت صفاتي كأسمي فاتصفت بالجمال و الحماس و ملأت حياة كل من حولي بالنور و السعاده ولكن ليست كل الاشياء دائمه فبعد يومٍ ملئ بالشمس و النور يأتي القمر ليخطف الاضواء من الشمس و كأنه يقول انه له الحق بنورها اكثر منها فكان هو قمري و انا شمسه ، تحملت قسوه البشر طوال اليوم و أضأت حياتهم حتي بهت نوري ثم جاء هو و خبأني ورائه كطفله خائفه من بشاعه العالم . كان منطفئ فمددته بنوري و طاقتي ، كنت متعبه و خائفه فخبئني بداخله .


     لم اصدق يوما مقوله "المظاهر خداعه" لكن حين قابلته فهمت انها ليست فقط المظاهر بل المواقف و حتي انه يمكن ان يكون الشخص بنفسه خادع من الداخل و الخارج. "باهر" و هو باهر كأسمه حقًا. تقابلت انا و باهر في إحدي سفرياتي الي باريس لأفتتاح الفرع الثالث لمطعمي الخاص فأنا صاحبه اشهر مطعم في ثلاث بلدان اوروبيه،ورثت حب الطبخ عن امي فهي اشتهرت بأكلها الشهي في شارعنا في مصر فكنا نجتمع مع جميع اصدقائنا في منزلنا و تقوم امي بأعداد اشهي الأطعمة كعادتها ، عندما توفت اردت تحقبق حلمها و هو افتتاح مطعم كبير لأطعام الفقراء فيه دون مقابل و ها انا قد حققت حلمها في ثلاث بلدان بعد بلدي مصر و اشتهر المطعم حتي انه ساهم الكثير من الناس في مساعدتي لتحقيق حلم امي .


الرابع عشر من ديسمبر عام ٢٠١٨

         اليوم في الساعه الثامنه مساءًا ستشتعل شوارع باريس بالأحتفال لافتتاح الفرع الرابع  لاشهر  مطعم في العالم و قد اقدم بعض المشاهير علي الحضور من جميع انحاء العالم . قمت في الحاديه عشر صباحًا و اعددت فطوري مع فنجان قهوه من يد ابي فهو احسن من يجيد صنعها . توجهت نحو خزانتي في الغرفه لأجد فستاناً لونه ازرق يميل الي لون البحر قد اهدتني اياه "ميرنا" صديقتي منذ الطفوله و هي مثل اختي التي لم تنجبها امي حتي انها كانت اي ام ثانيه بعد وفاة امي. انتهيت من تحضير نفسي للحفل و انتهي ابي و ميرنا ايضا ثم ذهبنا سويًا للحفل .


بدايه الحفل

       ها هي الساعه السابعه و خمسه و اربعون دقيقه و قد وصل بعض المدعوين و معهم كثير من هدايا التهنئه .بدأ الحفل و كنت سعيده بما حققته طوال هذه السنوات من احلام لأمي الغاليه و اذا بأحد العمال واقف امامي و يقول: 

Bonsoir, mademoiselle ashrakat ,préférez ce bouquet de fleurs pour vous

مساء الخير انسه اشرقت، تفضلي بوكيه الورد هذا لحضرتك ، سألته عن صاحب هذا الورد فأخبرني ان حد المدعوين طلب منه احضاره لي تهنئتناً علي المطعم . فشكرته و طلب منه توصيل شكري وتقديري لصاحب فكره الورد ف انا من عشاق الورد و لم يفكر احد في تهنئتي بورد بل هنئوني بالاموال و الهدايا الانتيكة ولكنني لا احب هذه الاشياء ف انا احب البساطه في كل شئ كما هي بساطة الورد. 

شخص: مساء الخير اشرقت . تعجبت فلم يحدثني احد من قبل بالعربيه سوا ابي و ميرنا اما عن الباقي فحدثوني بالفرنسية دائما . ألتفت لأري شخصاً طويلا له لحيه ليست سيئه و عيناه بنيه اللون كالقهوه و رائحه عطره تملأ المكان فسألته قائله: مساء النور ولكن بتعجب ، لكنه فهم سبب تعجبي قائلا: لو استغربتي اني قولت اشرقت ف انا اسف بس مبحبش الالقاب و لو بسبب اني اتكلمت عربي و انا يبان عليا فرنسي ف pardon ma chère ( عفوا عزيزتي)

نظرت له و كأنني دهشت من جرائته كيف له ان يقول لي عزيزتي و انا لا اعرفه و لكنني احببت جرائته و شعرت انه يتحداني بعض الشئ ف قبلت تحديه ف انا اعشق المغامرات و التحديات فسألته ان كان باستطاعتي تخمين اسمه فوافق فصمت بضع دقائق ثم قلت: باسل ...اسمك هو باسل (باسل تعني الشجاع) فضحك قائلا: خسرتي انا ابان باسل بس انا باهر. لم افهم قوله فوضح لي ان اسمه هو "باهر" و شكرني علي تفكيري في انشاء هذا المطعم الكبير و هنئني ثم رحل . انتهي الحفل و عدت الي البيت و انا متعبه كطفلٍ عائد من رحله مع اصدقائه و يحتاج للراحه بشده.كنت اتصفح علي موقع الانستجرام و انا مستلقيه في فراشي فدخلت ميرنا غرفتي مع جهاز الموسيقي الخاص بها و تغني لأم كلثوم قائله:اللي شوفتوا قبل ماتشوفك عينيا عمر ضايع احسبوه ازاي عليا ، ميرنا عاشت الكثير من المتاعب في حياتها فقد مات والدها عندما كانت في السابعه اما والدتها فتركتها و ذهبت لم تكتفي الحياه بما فعلته بها بل اوقعتها في فخ الحب فخانها حبيبها و لكنها قويه لا تبين جراحها امام الناس و لكن تنهار من الداخل كل يوم . جلست بجانبي و تحدثنا حتي شروق الشمس عن الحفل و الهدايا و الاجواء ثم خلدنا الي النوم .


باهر

انا صاحب اكبر شركات الصناعه في الشرق الاوسط و فتي احلام اغلب الفتيات ولكنها فقط من استطاعت سرقه قلبي. لا اؤمن بالحب فهو كلمه فارغه يستخدمها الناس للتعبير عن مشاعر فانيه لا معني و دائما ما تتسبب في جروح و كسور كثيره ، لم اتخيل انه سيأتي يوم و اقع ايه بالحب ف انا مزقت قلوب الكثير و كنت الشرير في قصص الكثير و الكثير من الناس . كانت حياتي كغابه مظلمه يسكنها وحش قاتل لا يرحم احد فكانت هي كالاميرة في قصه الجميله و الوحش و دخلت مملكه الوحش فأشرقت الشمس و تفتحت الورود بداخلي لأول مره برؤيتي لها. صوتها كان يعبث بقلبي و يجعله كطفل متشوق للقاء والدته . عيناها كانت تسحرني بجمالها ، ليس باستطاعة كلامتي وصفها فلن يكفيني عمري بأكمله لكي اصفها .

قبل تخرجي بشهر قابلت "منه" فتاه في جميله ذات شعر قصير لونه مائل للبرتقالي و عيناها بنية اللون التي جعلتني اقع في غرامها من اول لحظه . اعترفت لها بحبي في اغلي مطاعم العالم و اخذتها في رحله عبر البحر في جزيره قبرص و فاجأتها بأصدقائها و عائلاتنا و تقدمت لخطبتها من والدها ، لم اتصور حياتي بدونها يومًا كنت اخاف فقدانها و لكن يشاء القدر ان تموت من تملكت قلبي . ماتت في حادث سير منذ ثلاث سنوات ولم يستطع قلبي ان يتقبل غيابها الدائم عني. لم اتخيل ولو للحظه انني قد احب غيرها و ان قلبي سيعتاد علي غيابها حتي قابلت "اشرقت" هي لا تعرف من اكون ولكنني اعرفها حق المعرفه ، اعرف ماذا تحب و ماذا تهوي و اصغر تفاصيلها انا اعرفها حقًا.....

عُد  عُد Reviewed by من هنا و هناك on مارس 05, 2021 Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.